العرض في الرئيسةفضاء حر
ارشيف الذاكرة .. خيبة أخرى
يمنات
أحمد سيف حاشد
- أصابتني خيبات متلاحقة بعضها يفوق الاحتمال .. داهمني الفشل الذريع مرات عديدة .. رافقني الخذلان كثيرا .. مررت بانكسارات غير قليلة .. نزلت على رأسي ضربات موجعة .. جيوش من المخاوف ظلت تلاحقني .. مررتُ بلحظات ضعف، و أسأتُ التقدير في أحايين كثيرة .. لازمت حياتي نقاط ضعف اعتدتها، بل وجدتها بعض منّي و جزء من تكويني .. عشتُ هزائمي في الواقع، و تجرعتُ مرارات الحقيقة..
- و في المقابل أظن أني احتفظتُ داخلي بما هو أهم .. لا أيأس .. أرفض أن أموت و أنا لازلت حيا .. لا أكف عن المحاولة .. أثابر من أجل الوصول .. أنهض و استمر بالسير عقب كل كبوة أو وقوع .. استعيد توازني عقب كل صدمة .. أغالب مخاوفي و أنانيتي .. أتجاوز نقاط ضعفي بتعويضها بنقاط قوة موازية .. في وجه الهزيمة أمارس وجودي رفضا و صمودا و مقاومة، أو على حد تعبير أحد المفكرين: “لستَ مهزومًا ما دُمْتَ تقاوِم”..
- أستريح عندما أتعب .. أرمم روحي عقب كل تهالك أو تهشم أو انكسار .. استعيد نفسي دفعة واحدة، أو على مراحل إن أقتضى الحال .. أتعافى .. أعود وافر الروح، و بمعنوية دافقة .. أراجع بشجاعة .. أعيد النظر و التقييم بجُرأة .. أنتقل للبدائل و الخيارات الأخرى كلما وجدت ذلك مناسبا، أو ضروريا و ممكنا..
- كنت أحدث نفسي: يجب أن أتعافي مما أنا فيه، و أن لا يدركني اليأس .. ألم يقل أحدهم: “لا يأس مع الحياة” .. الأمل وحده هو من يبقينا أحياء و لا يجعلنا نستسلم لموت مغلّظ و ساحق .. فقدان فتاة أو أكثر ليست آخر العالم .. الفتيات كثار و الأرض واسعة .. يجب أن لا أكف عن المحاولة .. يجب أن لا تنطفئ فيني جذوة الأمل و انتاج الحلم .. لزم عليّ السعي و المثابرة .. سأجد أبواب مشرعة، و شرفات مفتوحة، و قلوب تنتظر مجيئي على أحر من الجمر..
- الحياة خلاقة مهما أجهمت .. الأمل يتجدد .. تحويل الفشل إلى نجاح في متناول الإمكان .. تجربة الفشل تضيف لصاحبها معرفة جديدة، بل قال بعضهم: هي أول خطوة في طريق النجاح، و قال آخرون: تمنح الخبرة الواعية على هذه الطريق..
- ربما أيضا يبتسم الحظ في يوم قائض و تمطر السماء .. ربما هناك صدفة تتحين اللقاء، أو بشارة لطالما تم انتظارها .. لازال في الآتي ما هو أجمل .. ألم يقل أحد الشعراء “أجمل الأيام تلك التي لم تأتِ بعد” .. هكذا كنت أحدث نفسي و أعيينها في مواجهة انكساراتها و ما أصابها من نيل و خذلان..
***
- أريد فتاة فقيرة لا تملك قيمة حذاء .. فتاة كهذه ستكون على استعداد أن تعبر معي وادي الجحيم .. لن تتركني وحدي وسط الطريق .. لن تتخلى عني .. لن تخذلني .. أريد فتاة تلاحقني إن تخلت عنّي الحظوظ و توحشت في وجهي الأقدار..
- لا أريد فتاة تقلب المجن من أول امتحان .. أريد فتاة أستطيع أن أساعدها .. أعيد صياغتها و أرتقي بها .. نرتقي معا إلى ما هو أسمى و أجمل .. أريد فتاة جميلة .. أليست أحياء الفقراء مسكونة بالجمال .. أليس في الغجر أجمل الفواتن .. أليس الفقراء حباهم الله بجمال آسر و آخاذ .. ألم يقل أحد الشعراء لربه: “انت جميل تحب الجمال”
- وجدتها في “ريف الجبل” .. أمعنتُ في قولي: “وجدتها بعد إعياء و بحث” .. العجز شل لساني..!! “جميلة جدا” جملة أصبحت دونها وصفا و خيالا .. جملة لا تليق بما أشاهده أمامي بأبعاده و آماده و كثافته .. كأنها لؤلؤة جاءتني من قاع المحيط..!! “لؤلؤة”؟..!! هذا أيضا تشبيه لا يليق بوصفها .. هي هبة السماء .. درة كونية جاءتني من فضاء بعيد و عالم آخر .. من غير العدل أن ينتعل كل هذا الإبهار حذاء مهتري..!!
- إشراقات الكون تجتاحني .. ما أراه فاق تصوّري و خيالي .. السماء تمطر فيني فرحة و بهجة .. تتلألأ في عيوني .. تشتعل في وجداني.. إيقاعات صوتها تجرفني إلى دلتا خصيبة .. نهداها أرجوحة سماوية .. حلمي يتمرجح بين المشارق و المغارب .. تناديني مفاتنها إلى أوطاني التي لطالما بحثت عنها في المتاهات البعيدة..
- احتشدت فيني ألف دهشة .. غمرتني بشلالات ضوؤها حتى غبت عن وعيي انبهارا و دهشة .. الألوان تتجاذبي من كل طرف و اتجاه .. قوس قزح يكلل وجودنا بتيجان المحبة و الفرح .. فيضها بات أكبر من عالمي .. يتمدد في مدى لا ينتهي..
- أحببتها من النظرة الأولى .. من الوهلة الأولى .. أصابتني بكل سهام العذارى .. اصطادتني بكل شباك الفاتنات الحسان .. أوقعتني المجنونة في حب مجنون مختلف .. أوقعتني من نظرة أولى .. من وهلة أولى .. من لحظة أولى .. تملكتني من أول مشهد و أول مشاهدة..
- هنا حط رحالي .. هنا كل المواسم و الفصول .. هنا الفرص و كل الفسح .. الأعياد و الهدايا .. الصوت و الصداء .. الفطرة و النقاء .. الحقول و الأغنيات .. هنا ملاذ و مستقر المحب الذي أعياه البحث و الترحال و السفر..
- أفرط جمالها و بذخ .. تعدّى الكمال..!! جلّت قدرتك يا الله .. كيف لألف معجزة أن تتكثف في واحدة..؟!! أسرتني .. تملكتني .. خطفت قلبي من منبته .. قلعتني من الجذور .. صادرتي دون محضر أو استلام .. انتزعتني من وجودي .. ضمتني إلى وجودها دون خيار أو حوار..
- خطبتها من أبيها و أمها .. و قبل ذلك كانت موافقتها .. كان عيد للجميع .. عيد مكلل بالرضى .. مغمورا بالسعادة و الفرح .. غير إن الحال لم يدم .. بعد أيام أو أسابيع قليلة أنقلب الحال إلى محال .. صدمني خبر بالغ السوء .. قطعوا أملي بصاعقة .. متطرفو حماة العقيدة و حراس معبدها أطاحوا بفرحي .. أجهزوا عليه .. ضغطوا على الأسرة البسيطة التي عادت و سحبت موافقتها .. منعوا و مانعوا و حالوا .. غم عليّ .. أكلحت السماء و اسودت الدنيا في عيوني .. هبط الليل و أدلج في عز النهار .. و كان العذر أقبح من ذنب دميم .. قالوا أنني “شوعي و ملحد”..
- عدت أدراجي منطويا على نفسي .. كسيرا و متعبا و مثقلا بخيبة كبيرة لا تقوى على جرّها خيولي المنهكة .. عدت مكسور الظهر و الخاطر و الفؤاد .. أغالب الكآبة و الألم و الكمد .. عدت ألملم حطامي .. أشلائي المبعثرة .. روحي الممزقة .. حلمي المبدد بعاصفة .. أضافوا إلى معاناتي خيبة جديدة تشبه الجحيم .. قتلوني المتطرفون من كهنة الدين و حراس المعبد و حماة العقيدة..
يتبع
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.